سورة الشورى - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ} أيُّ مصيبةٍ كانتْ {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي فهيَ بسببِ معاصيكُم التي اكتسبتمُوها. والفاءُ لأنَّ ما شرطيةٌ أو متضمنةٌ لمَعْنى الشرطِ. وقرئ بدونِها اكتفاءً بما في الباء من مَعْنى السببيةِ. {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} من الذنوبِ فلا يعاقبُ عليها. والآيةُ مخصوصةٌ بالمجرمينَ فإنَّ ما أصابَ غيرَهُم لأسبابٍ أُخرى منها تعريضُه للثوابِ بالصبرِ عليهِ {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الأرض} فائتينَ ما قُضِيَ عليكُم من المصائبِ وإن هربتُم من أقطارِها كلَّ مهربٍ. {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ} يحميكُم منَها {وَلاَ نَصِيرٍ} يدفعُها عنكُم.
{وَمِنْ ءاياته الجوار} السفنُ الجاريةُ {فِى البحر} وقرئ: {الجَوَارِي} {كالأعلام} أي كالجبالِ على الإطلاقِ لا التي عليها النارُ للاهتداءِ خاصَّة. {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح} التي تُجريَها. وقرئ: {الرياحَ}. {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ} فيبقينَ ثوابتَ على ظهرِ البحرِ أي غيرَ جارياتٍ لا غيرَ متحركاتٍ أصلاً. {إِنَّ فِى ذَلِكَ} الذي ذُكِرَ من السفنِ اللاتِي يجرينَ تارةً ويركُدنَ أُخْرى على حسب مشيئتِه تعالَى {لاَيَاتٍ} عظيمةً في أنفسها كثيرةً في العددِ دالةً على ما ذُكِرَ منْ شؤونِه تعالَى. {لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} لكلِّ مَنْ حبسَ نفسَهُ عن التوجِه إلى ما لا ينبغِي ووكَّلَ همَّتَهُ بالنظرِ في آياتِ الله تعالَى والتفكرِ في آلائِه أو لكلِّ مؤمنٍ كاملٍ، فإنَّ الإيمانَ نصفُهُ صبرٌ ونصفُهُ شكرٌ. {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} عطفٌ على يُسكنْ والمعنى إن يشأ يسكن الريحَ فيركدنَ أو يرسلْهَا فيغرقنَ بعصفِها. وإيقاعُ الإيباقِ عليهنَّ مع أنَّه حالُ أهلهنَّ للمبالغةِ والتهويلِ. وإجراءُ حُكمِه على العفوِ في قولِه تعالَى {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} لِما أنَّ المَعْنى أو يُرسلْها فيوبقْ ناساً ويُنجِ آخرينَ بطريق العفوِ عنهُم. وقرئ: {ويعفُو} على الاستئناف {وَيَعْلَمَ الذين يجادلون فِى ءاياتنا} عطفٌ على علة مقدرةٍ مثل لينتقمَ منهم وليعلم إلخ كما في قولِه تعالَى: {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ} وقوله: {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} ونظائِرِهِما. وقرئ بالرفعِ على الاستئنافِ وبالجزمِ عطفاً على يعفُ فيكونُ المَعْنى وإنْ يشأْ يجمعْ بينَ إهلاكِ قومٍ وإنجاءِ قومٍ وتحذيرِ قومٍ. {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} أي منْ مهربٍ من العذابِ. والجملةُ معلّقٌ عنها الفعلُ.


{فَمَا أُوتِيتُمْ مّن شَىْء} مما ترغبونَ وتتنافسونَ فيهِ. {فمتاع الحياة الدنيا} أي فهُو متاعُها تتمتعونَ به مدةَ حياتِكم {وَمَا عِندَ الله} من ثواب الآخرةِ {خَيْرٌ} ذاتاً لخلوصِ نفعِه {وأبقى} زماناً حيثُ لا يزولُ ولا يَفْنى {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لا على غيرِه أصلاً. والموصولُ الأولُ لما كانَ مُتضمناً لمَعْنى الشرطِ منْ حيثُ أنَّ إيتاءَ مَا أُوتُوا سببٌ للتمتعِ بها في الحياة الدُّنيا دخلتْ جوابَها الفاءُ بخلافِ الثانِي. وعَنْ عليَ رضيَ الله عنه أنَّه تصدقَ أبُو بكرٍ رضيَ الله عنْهُ بمالِه كلِّه فلامَهُ جمعٌ من المسلمينَ فنزلتْ. وقوله تعالى: {والذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم} أي الكبائر من هذا الجنس {والفواحش وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} معَ ما بعدَهُ عطفٌ على الذينَ آمنُوا، أو مدحٌ بالنصبِ أو الرفعِ وبناءُ يغفرونَ على الضميرِ خبراً لهُ للدلالةِ على أنَّهم الأَخِصَّاءُ بالمغفرةِ حالَ الغضبِ لعزةِ منالِها وقرئ: {كبيرَ الإثمِ} وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهُمَا كبيرُ الإثمِ الشركُ. {والذين استجابوا لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة} نزلَ في الأنصارِ دعاهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمانِ فاستجابُوا له. {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} أي ذُو شُورى لا ينفردونَ برأيٍ حتى يتشاورُوا ويجتمعُوا عليهِ وكانُوا قبلَ الهجرةِ وبعدَهَا إذا حزبَهُم أمرٌ اجتمعُوا وتشاورُوا {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} أيْ فِي سبيلِ الخيرِ، وَلعلَّ فصلَهُ عن قرينِه بذكرِ المشاورةِ لوقوعِها عند اجتماعِهم للصلواتِ. {والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغى هُمْ يَنتَصِرُونَ} أي ينتقمونَ ممَّنْ بَغَى عليهِم على ما جعلَهُ الله تعالَى لهُم كراهةً التذللِ، وهو وصفٌ لهم بالشجاعةِ بعدَ وصفِهم بسائرِ مُهمَّاتِ الفضائلِ وهَذَا لا ينافِي وصفَهُم بالغُفرانِ فإنَّ كلاًّ منهما فضيلةٌ محمودةٌ في موقعِ نفسهِ، ورذيلةٌ مذمومةٌ في موقعِ صاحبهِ، فإنَّ الحِلْمَ عن العاجزِ وعوراءِ الكرامِ محمودٌ وعن المتغلبِ ولغواءِ اللئامِ مذمومٌ فإنَّه إغراءٌ على البَغِي، وعليهِ قولُ مَنْ قالَ:
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَه *** وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمرَّدَاً
فَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيفِ بالعُلا *** مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
وقولُه تعالَى: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} بيانٌ لوجهِ كونِ الانتصارِ من الخصالِ الحميدةِ مع كونِه في نفسِه إساءةً إلى الغيرِ، بالإشارةِ إلى أنَّ البادىءَ هُو الذي فعلَهُ لنفسهِ، فإنَّ الأفعالَ مستتبعةٌ لأجزيتِها حَتماً إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشرٌّ، وفيه تنبيهٌ على حُرْمةِ التعدِّي، وإطلاقُ السيئةِ على الثانيةِ لأنَّها تسوءُ مَنْ نزلتْ بهِ {فَمَنْ عَفَا} عنِ المسيءِ إليهِ {وَأَصْلَحَ} بينَهُ وبينَ مَنْ يعاديهِ بالعفوِ والإغضاءِ كَما في قولِه تعالى: {فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} عِدَةٌ مُبهمةٌ منبئةٌ عن عظمِ شأنِ الموعودِ وخُروجِه عن الحدِّ المعهودِ. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} البادئينَ بالسيئةِ والمتعدِّينَ في الانتقامِ.


{وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي {بعدَ ما ظُلِمَ}، وقَدْ قرئ بهِ. {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى مَنْ باعتبارِ المَعْنى، كَما أنَّ الضميرينِ لَها باعتبارِ اللفظِ. {مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ} بالمُعَاتبةِ أو المُعَاقبةِ {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} يبتدئونَهُم بالإضرارِ أوْ يعتدونَ في الانتقامِ. {وَيَبْغُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} أيْ يتكبرونَ فيَها تجبُّراً وفساداً {أولئك} الموصوفونَ بما ذُكِرَ من الظُّلمِ والبغيِ بغيرِ الحقِّ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بسببِ ظُلمهم وبغيِهم {وَلَمَن صَبَرَ} على الأذَى {وَغَفَرَ} لِمَنْ ظلمَهُ وَلم ينتصرْ وفوَّضَ أمرَهْ إلى الله تعالَى {إِنَّ ذلك} الذي ذُكِرَ مِنَ الصبرِ والمغفرةِ {لَمِنْ عَزْمِ الأمور} أيْ إنَّ ذلكَ مِنْهُ، فحذفَ ثقةً بغايةِ ظهورِه كَما في قولِهم السمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ، وهَذا في الموادِّ التي لا يُؤدِّي العفوُ إلى الشرِّ كَما أُشيرَ إليهِ. {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِىّ مّن بَعْدِهِ} من ناصرٍ يتولاَّهُ من بعدِ خذلانِه تعالى إيَّاهُ. {وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أيْ حينَ يَرَوْنَهُ. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحقُّقِ. {يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدّ} أيْ إلى رجعةٍ إلى الدُّنيا {مّن سَبِيلٍ} حَتَّى نُؤمنَ ونعملَ صالحاً. {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أيْ عَلَى النَّار المدلولِ عليها بالعذابِ، والخطابُ في الموضعينِ لكلِّ مَنْ يتأتَّى منْهُ الرؤيةُ. {خاشعين مِنَ الذل} متذللينَ مُتضائلينَ مِمَّا دهاهُم. {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ} أي يبتدىءُ نظرُهم إلى النَّارِ من تحريكٍ لأجفانِهم ضعيفٍ كالمصبورِ ينظرُ إلى السيفِ. {وَقَالَ الذين ءامَنُواْ إِنَّ الخاسرين} أي المتصفينَ بحقيقةِ الخُسرانِ {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} بالتعريضِ للعذابِ الخالدِ. {يَوْمُ القيامة} إِمَّا ظرفٌ لخسِرُوا فالقولُ في الدُّنيا أوْ لقالَ، فالقولُ يومَ القيامةِ أي يقولونَ حينَ يَرَونهم على تلك الحالِ. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحققهِ. وقولُه تعالى: {أَلاَ إِنَّ الظالمين فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ} إمَّا من تمامِ كلامِهم، أو تصديقٌ منَ الله تعالى لَهُم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6